الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال أبو حيان: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101)}.سبب نزول {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى} قول ابن الزبعري حين سمع {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم} قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: قد خصمتك ورب الكعبة، أليس اليهود عبدوا عزيرًا والنصارى عبدوا المسيح، وبنو مليح عبدوا الملائكة فقال صلى الله عليه وسلم: «هم عبدوا الشياطين التي أمرتهم بذلك» فأنزل الله تعالى: {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى} الآية.وقيل: لما اعترض ابن الزبعري قيل لهم: ألستم قوما عربًا أو ما تعلمون أن من لمن يعقل وما لما لا يعقل، فعلى القول الأول يكون ابن الزبعري قد فهم من قوله: {وما تعبدون} العموم فلذلك نزل قوله: {إن الذين سبقت لهم} الآية تخصيصًا لذلك العموم، وعلى هذا القول الثاني يكون ابن الزبعري رام مغالطة، فأجيب بأن من لمن يعقل وما لما لا يعقل فبطل اعتراضه.{والحسنى} الخصلة المفضلة في الحسن تأنيث الأحسن، إما السعادة وإما البشرى بالثواب، وإما التوفيق للطاعة.والظاهر من قوله: {مبعدون} فما بعده أن من سبقت له الحسنى لا يدخل النار.وروي أن عليًّا كرم الله وجهه قرأ هذه الآية ثم قال: أنا منهم وأبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف، ثم أقيمت الصلاة فقام يجرّ رداءه وهو يقول: {لا يسمعون حسيسها} والحسيس الصوت الذي يحس من حركة الأجرام، وهذا الإبعاد وانتفاء سماع صوتها قيل هو قبل دخول الجنة.وقيل: بعد دخولهم واستقرارهم فيها، والشهوة طلب النفس اللذة.وقال ابن عطية: وهذه صفة لهم بعد دخولهم الجنة لأن الحديث يقتضي أنه في الموقف تزفر جهنم زفرة لا يبقى نبيّ ولا ملك إلاّ جثا على ركبتيه و{الفزع الأكبر} عام في كل هول يكون في يوم القيامة فكان يوم القيامة بجملته هو {الفزع الأكبر} وإن خصص بشيء فيجب أن يقصد لا عظم هو له انتهى.وقيل: {الفزع الأكبر} وقوع طبق جهنم عليها قاله الضحاك.وقيل: النفخة الأخيرة.وقيل: الأمر بأهل النار إلى النار، روي عن ابن جبير وابن جريج والحسن.وقيل: ذبح الموت.وقيل: إذا نودي {اخسؤوا فيها ولا تكلمون} وقيل {يوم نطوي السماء} ذكره مكي.{وتتلقاهم الملائكة} بالسلام عليهم.وعن ابن عباس: تلقاهم الملائكة بالرحمة عند خروجهم من القبور قائلين لهم {هذا يومكم الذي كنتم توعدون} بالكرامة والثواب والنعيم.وقرأ أبو جعفر {لا يحزنهم} مضارع أحزن وهي لغة تميم، وحزن لغة قريش، والعامل في يوم {لا يحزنهم} و{تتلقاهم} وأجاز أبو البقاء أن يكون بدلًا من العائد المحذوف في {توعدون} فالعامل فيه {توعدون} أي أيوعدونه أو مفعولًا باذكر أو منصوبًا بأعني.وأجاز الزمخشري أن يكون العامل فيه {الفزع} وليس بجائز لأن {الفزع} مصدر وقد وصف قبل أخذ معموله فلا يجوز ما ذكر.وقرأ الجمهور {نطوي} بنون العظمة.وفرقة منهم شيبة بن نصاح يطوي بياء أي الله، وأبو جعفر وفرقة بالتاء مضمومة وفتح الواو و{السماء} رفعًا والجمهور {السجل} على وزن الطمر.وأبو هريرة وصاحبه وأبو زرعة بن عمرو بن جرير بضمتين وشد اللام، والأعمش وطلحة وأبو السماك {السجل} بفتح السين والحسن وعيسى بكسرهما، والجيم في هاتين القراءتين ساكنة واللام مخففة.وقال أبو عمر: وقراءة أهل مكة مثل قراءة الحسن.وقال مجاهد {السجل} الصحيفة.وقيل: هو مخصوص من الصحف بصحيفة العهد، والمعنى طيًا مثل طي السجل، وطي مصدر مضاف إلى المفعول، أي ليكتب فيه أو لما يكتب فيه من المعاني الكثيرة، والأصل {كطيّ} الطاوي {السجل} فحذف الفاعل وحذفه يجوز مع المصدر المنحل لحرف مصدري، والفعل، وقدره الزمخشري مبنيًا للمفعول أي كما يُطْوَى السجل.وقال ابن عباس وجماعة {السجل} ملك يطوى كتب بني آدم إذا رفعت إليه.وقالت فرقة: هو كاتب كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذين القولين يكون المصدر مضافًا للفاعل.وقال أبو الفضل الرازي: الأصح أنه فارسي معرب انتهى.وقيل: أصله من المساجلة وهي من {السجل} وهو الدلو ملأى ماء.وقال الزجاج: هو رجل بلسان الحبش.وقرأ الجمهور: للكتاب مفردًا وحمزة والكسائي وحفص {للكتب} جمعًا وسكن التاء الأعمش.وقال الزمخشري: {أول خلق} مفعول نعيد الذي يفسره {نعيده} والكاف مكفوفة بما، والمعنى نعيد أول الخلق كما بدأناه تشبيهًا للإعادة بالإبداء في تناول القدرة لهما على السواء فإن قلت: وما أول الخلق حتى يعيده كما بدأه قلت: أو له إيجاده من العدم، فكما أوجده أولًا عن عدم يعيده ثانيًا عن عدم.فإن قلت: ما بال خلق منكرًا؟ قلت: هو كقولك: هو أول رجل جاءني تريد أول الرجال، ولَكِنك وحدته ونكرته إرادة تفصيلهم رجلًا رجلًا فكذلك معنى {أول خلق} أول الخلائق لأن الخلق مصدر لا يجمع ووجه آخر، وهو أن ينتصب الكاف بفعل مضمر يفسره نعيده وما موصولة، أي نعيد مثل الذي بدأناه {نعيده} و{أول خلق} ظرف لبدأناه أي أول ما خلق أو حال من ضمير الموصول الساقط من اللفظ الثابت في المعنى انتهى.والظاهر أن الكاف ليست مكفوفة كما ذكر بل هي جارة وما بعدها مصدرية ينسبك منها مع الفعل مصدر هو في موضع جر بالكاف.و{أول خلق} مفعول {بدأنا} والمعنى نعيد أول خلق إعادة مثل بدأتنا له، أي كما أبرزناه من العدم إلى الوجود نعيده من العدم إلى الوجود.في ما قدره الزمخشري تهيئة {بدأنا} لأن ينصب {أول خلق} على المفعولية.وقطعه عنه من غير ضرورة تدعو إلى ذلك وارتكاب إضمار يعيد مفسرًّا بنعيده وهذه عجمة في كتاب الله، وأما قوله: ووجه آخر وهو أن ينتصب الكاف بفعل مضمر يفسره {نعيده} فهو ضعيف جدًّا لأنه مبني على أن الكاف اسم لا حرف، فليس مذهب الجمهور إنما ذهب إلى ذلك الأخفش وكونها اسمًا عند البصريين غير مخصوص بالشعر.وقال ابن عطية: يحتمل معنيين أحدهما: أن يكون خبرًا عن البعث أي كما اخترعنا الخلق أولًا على غير مثال كذلك ننشئهم تارة أخرى فنبعثهم من القبور.والثاني أن يكحون خبرًا عن أن كل شخص يبعث يوم القيامة على هيئته التي خرج بها إلى الدنيا ويؤيده «يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلًا» {كما بدأنا أول خلق نعيده} وقوله: {كما بدأنا} الكاف متعلقة بقوله: {نعيده} انتهى.وانتصب {وعدًا} على أنه مفعول مصدر مؤكدًا لمضمون الجملة الخبرية قبله {إنّا كنا فاعلين} تأكيد لتحتم الخبر أي نحن قادرون على أن نفعل و{الزبور} الظاهر أنه زبور داود وقاله الشعبي، ومعنى هذه الآية موجود في زبور داودوقرأناه فيه. اهـ..قال أبو السعود: {إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى}.شروعٌ في بيان حال المؤمنين إثرَ شرح حالِ الكفرة حسبما جرت به سنةُ التنزيل من شفْع الوعد بالوعيد وإيرادِ الترغيب مع الترهيب، أي سبقت لهم منا في التقدير الخَصلةُ الحسنى التي هي أحسنُ الخصال وهي السعادةُ، وقيل: التوفيقُ للطاعة أو سبقت لهم كلمتُنا بالبشرى بالثواب على الطاعة وهو الأدخلُ الأظهرُ في الحمل عليها لما أن الأولين مع خفائهما ليسا من مقدورات المكلفين، فالجملةُ مع ما بعدها تفصيلٌ لما أُجمل في قوله تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصالحات وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كاتبون} كما أن ما قبلها من قوله تعالى: {إِنَّكُمْ وما تَعْبُدُونَ} الخ، تفصيلٌ لما أُجمل في قوله تعالى: {وَحَرَامٌ} الخ {أولئك} إشارة إلى الموصول باعتبار اتصافِه بما في حيز الصلة وما فيه من معنى البُعد للإيذان بعلوّ درجتهم وبُعد منزلتِهم في الشرف والفضل، أي أولئك المنعوتون بما ذكر من النعت الجميل {عَنْهَا} أي عن جهنم {مُبْعَدُونَ} لأنهم في الجنة وشتان بينها وبين النار، وما روي أن عليًّا رضي الله تعالى عنه خطب يوما فقرأ هذه الآية ثم قال: أنا منهم وأبو بكر وعمرُ وعثمانُ وطلحةُ والزبيرُ وسعدٌ وسعيدٌ وعبدُ الرحمن بنُ عوف وأبو عبيدةَ بنُ الجراح رضوانُ الله تعالى عنهم أجمعين، ثم أقيمت الصلاةُ فقام يجرّ رداءه ويقول: {لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا} ليس بنص في كون الموصول عبارةً عن طائفة مخصوصة، والحسيسُ صوتٌ يُحَسّ به، أي لا يسمعون صوتَها سمعًا ضعيفًا كما هو المعهودُ عند كون المصوِّت بعيدًا وإن كان صوتُه في غاية الشدة، لا أنهم لا يسمعون صوتَها الخفيَّ في نفسه فقط، والجملةُ بدلٌ من مبعَدون أو حال من ضميره مَسوقةٌ للمبالغة في إنقاذهم منها وقوله تعالى: {وَهُمْ في مَا اشتهت أَنفُسُهُمْ خالدون} بيانٌ لفوزهم بالمطالب إثرَ بيان خلاصِهم من المهالك والمعاطب أي دائمون في غاية التنعمَ، وتقديمُ الظرف للقصر والاهتمام به.وقوله تعالى: {لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر} بيانٌ لنجاتهم من الأفزاع بالكلية بعد بيان نجاتِهم من النار، لأنهم إذا لم يُحزُنْهم أكبرُ الأفزاع لا يحزنهم ما عداه بالضرورة، عن الحسن رضي الله عنه أنه الانصرافُ إلى النار، وعن الضحاك حتى يطبَقَ على النار، وقيل: حين يُذبح الموتُ في صورة كبشٍ أملحَ، وقيل: النفخةُ الأخيرة لقوله تعالى: {فَفَزِعَ مَن في السموات وَمَن في الأرض} وليس بذاك فإن الآمنَ من ذلك الفزع من استثناه الله تعالى بقوله: {إِلاَّ مَن شَاء الله} لا جميعُ المؤمنين الموصوفين بالأعمال الصالحة، على أن الأكثرين على أن ذلك في النفخة الأولى دون الأخيرة كما سيأتي في سورة النمل {وتتلقاهم الملائكة} أي تسقبلهم مهنّئين لهم {هذا يَوْمُكُمُ} على إرادة القولِ أي قائلين: هذا اليومُ يومُكم {الذى كُنتُمْ تُوعَدُونَ} في الدنيا وتبشرون بما فيه من فنون المَثوبات على الإيمان والطاعات، وهذا كما ترى صريحٌ في أن المرادَ بالذين سبقت لهم الحسنى كافةُ المؤمنين الموصوفين بالإيمان والأعمال الصالحةِ لا مَنْ ذكر من المسيح وعُزيرٍ والملائكة عليهم السلام خاصة كما قيل.{يَوْمَ نَطْوِى السماء} بنون العظمة منصوبٌ باذكرْ، وقيل: ظرفٌ لقوله تعالى: {لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع} وقيل: بتتلقاهم، وقيل: حالٌ مقدرة من الضمير المحذوفِ في توعدون والطيُّ ضدُّ النشر، وقيل: المحوِ، وقرئ {يُطوى} بالياء والتاء والبناء للمفعول {كَطَىّ السجل} وهي الصحيفة أي طيًا كطيّ الطومار، وقرئ {السَّجْل} كلفظ الدلو وبالكسر و{السُّجُلّ} على وزن العُتُلّ وهما لغتان واللام في قوله تعالى: {لِلْكُتُبِ} متعلقةٌ بمحذوف هو حال من السجلّ أو صفةٌ له على رأي من يجوّز حذفَ الموصولِ مع بعض صلتِه، أي كطي السجل كائنًا للكتب أو الكائن للكتب فإن الكتبَ عبارةٌ عن الصحائف وما كتب فيها فسجلُّها بعضُ أجزائها وبه يتعلق الطيُّ حقيقةً، وقرئ {للكتاب} وهو إما مصدرٌ واللامُ للتعليل أي كما يُطوى الطومارُ للكتابة أو اسم كالإمام فاللامُ كما ذكر أولًا، وقيل: السجلُّ اسمُ ملَكٍ يطوي كتبَ أعمالِ بني آدمَ إذا رُفعت إليه، وقيل: هو كاتبٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ} أي نعيد ما خلقناه مبتدًا إعادةً مثلَ بدئنا إياه في كونها إيجادًا بعد العدم أو جمعًا من الأجزاء المتبدّدة، والمقصودُ بيانُ صِحّةِ الإعادةِ بالقياس على المبدأ لشمول الإمكانِ الذاتي المصحّح للمقدورية وتناولِ القدرة لهما على السواء، وما كافةٌ أو مصدرية وأولَ مفعولٌ لبدأنا أو لفعل يفسّره نعيده، أو موصولةٌ والكافُ متعلقةٌ بمحذوف يفسره نعيده أي نعيدُه مثل الذي بدأناه وأولَ خلقٍ ظرفٌ لبدأنا أو حالٌ من ضمير الموصول المحذوف {وَعْدًا} مصدرٌ مؤكد لفعله ومقرّرٌ لنعيده أو منتصبٌ به لأنه عِدَةٌ بالإعادة {عَلَيْنَا} أي علينا إنجازُه {إِنَّا كُنَّا فاعلين} لما ذكر لا محالة. اهـ..قال الألوسي: {إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى} أي الخصلة المفضلة في الحسن وهي السعادة، وقيل: التوفيق للطاعة، والمراد من سبق ذلك تقديره في الأزل، وقيل: الحسنى الكلمة الحسنى وهي المتضمنة للبشارة بثوابهم وشكر أعمالهم، والمراد من سبق ذلك تقدمه في قوله تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصالحات وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كاتبون} [الأنبياء: 94] وهو خلاف الظاهر، والظاهر أن المراد من الموصول كل من اتصف بعنوان الصلة وخصوص السبب لا يخصص، وما ذكر في بعض الآثار من تفسيره بعيسى وعزير والملائكة عليهم السلام فهو من الاقتصار على بعض أفراد العام حيث أنه السبب في النزول، وينبغي أن يجعل من باب الاقتصار ما أخرجه ابن أبي شيبة وغيره عن محمد بن حاطب عن على كرم الله تعالى وجهه أنه فسر الموصول بعثمان وأصحابه رضي الله تعالى عنهم.وروى ابن أبي حاتم وجماعة عن النعمان بن بشير أن عليًّا كرم الله تعالى وجهه قرأ الآية فقال: أنا منهم وعمر منهم وعثمان منهم والزبير منهم وطلحة منهم وسعد وعبد الرحمن منهم كذا رأيته في الدر المنثور، ورأيت في غيره عد العشرة المبشرة رضي الله تعالى عنهم، والجاران متعلقان بسبقت.وجوز أبو البقاء في الثاني كونه متعلقًا بمحذوف وقع حالًا من {الحسنى} وقوله تعالى: {أولئك} إشارة إلى الموصول باعتبار اتصافه بما في حيز الصلة، وما فيه من معنى البعد للإيذان بعلو درجتهم وبعد منزلتهم في الشرف والفضل أي أولئك المنعوتون بما ذكر من النعت الجميل {عَنْهَا} أي عن جهنم {مُبْعَدُونَ} لأنهم في الجنة وشتان بينها وبين النار: {لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا} أي صوتها الذي يحس من حركتها، والجملة بدل من {مُبْعَدُونَ}، وجوز أن تكون حالًا من ضميره، وأن تكون خبرًا بعد خبر، واستظهر كونها مؤكدة لما أفادته الجملة الأولى من بعدهم عنها، وقيل: إن الابعاد يكون بعد القرب فيفهم منه أنهم وردوها أولًا، ولما كان مظنة التأذي بها دفع بقوله سبحانه {لاَ يَسْمَعُونَ} [الأنبياء: 100] فهي مستأنفة لدفع ذلك، فعلى هذا يكون عدم سماع الحسيس قبل الدخول إلى الجنة، ومن قال به قال: إن ذلك حين المرور على الصراط وذلك لأنهم ما ورد في بعض الآثار يمرون عليها وهي خامدة لا حركة لها حتى أنهم يظنون وهم في الجنة أنهم لم يرموا عليها، وقيل لا يسمعون ذلك لسرعة مرورهم وهو ظاهر ما أخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال في الآية: أولئك أولياء الله تعالى يمرون على الصراط مرًا هو أسرع من البرق فلا تصيبهم ولا يسمعون حسيسها ويبقى الكفار جثيًا، لَكِن جاء في خبر آخر رواه عنه ابن أبي حاتم أيضًا وابن جرير أنه قال في {لاَ يَسْمَعُونَ} [الأنبياء: 100] الخ لا يسمع أهل الجنة حسيس النار إذا نزلوا منازلهم في الجنة، وقيل: إن الابعاد عنها قبل الدخول إلى الجنة، والمراد بذلك حفظ الله تعالى إياهم عن الوقوع فيها كما يقال أبعد الله تعالى فلانًا عن فعل الشر، والأظهر أن كلا الأمرين بعد دخول الجنة وذلك بيان لخلاصهم عن المهالك والمعاطب.
|